فصل: الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي وما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة توزون وإمارة ابن شيرزاد.

وفي المحرم من سنة أربع وثلاثين وثلثمائة مات توزون ببغداد لست سنين وخمسة أشهر من إمارته وكان ابن شيرزاد كاتبه أيامه كلها وبعثه قبل موته لاستخلاص الأموال من هيت فلما بلغه خبر الوفاة عزم على عقد الإمارة لناصر الدولة بن حمدان فأبى الجند من ذلك واضطربوا وعقدوا له الرياسة عليهم واجتمعوا عليه وحلفوا وبعث إلى المستكفي ليحلف له فأجابه وحلف له بحضرة القضاة والعدول ودخل إليه ابن شيرزاد فولاه أمير الأمراء وزاد في الأرزاق زيادة متسعة فضاقت عليه الأموال فبعث أبا عبد الله بن أبي موسى الهاشمي إلى ابن حمدان يطالبه بالمال ويعده بإمارة الأمراء فأنفذ إليه خمسمائة ألف درهم وطعاما وفرقها في الجند فلم تكف ففرض الأموال على العمال والكتاب والتجار لأرزاق الجند ومدت الأيدي إلى أموال الناس وفشا الظلم وظهرت اللصوص وكبسوا المنازل وأخذ الناس في الخلاص من بغداد ثم استعمل على واسط ينال كوشه وعلى تكريت الفتح السيكري فسار إلى ابن حمدان ودعا له شكرا فولاه عليها من قبله.

.استيلاء معز الدولة بن بويه على بغداد واندراج أحكام الخلافة في سلطانهم.

قد تقدم لنا استبداد أهل النواحي على الخلافة منذ أيام المتوكل ولم يزل نطاق الدولة العباسية يتضايق شيئا فشيئا وأهل الدولة يستبدون واحدا بعد واحد إلى أن أحاطوا ببغداد وصاروا ولاة متعددة يفرد كل واحد بالذكر وسياقة الخبر إلى آخرها وكان من أقرب المستبدين إلى مقر الخلافة بنوبويه بأصبهان وفارس ومعز الدولة منهم بالأهواز وقد تغلب على واسط ثم انتزعت منه وبنو حمدان بالموصل والجزيرة وقد تغلب على هيت وصارت تحت ملكهم ولم يبق للخلفاء إلا بغداد ونواحيها ما بين دجلة والفرات وأمراؤهم مع ذلك مستبدون عليهم ويسمون القائم بدولتهم أمير الأمراء كما مر في أخبارهم إلى أن انتهى ذلك إلى دولة المتقي والقائم بها ابن شيرزاد وولي على واسط ينال كوشه كما قلنا فانحرف عن ابن شيرزاد وكاتب معز الدولة وقام بدعوته في واسط واستدعاه لملك بغداد فزحف في عساكر الديلم إليها ولقبه ابن شيرزاد والأتراك وهربوا إلى ابن حمدان بالموصل واختفى المستكفي وقدم معز الدولة كاتبه الحسن بن محمد المهلبي إلى بغداد فدخلها وظهر الخليفة فظهر عنده المهلبي وجدد له البيعة عن معز الدولة أحمد بن بويه وعن أخويه عماد الدولة علي وركن الدولة الحسن وولاهم المستكفي على أعمالهم ولقبهم بهذه الألقاب ورسمها على سكته ثم جاءه معز الدولة إلى بغداد وملكها وصرف الخليفة في حكمه واختص باسم السلطان فبقيت أخبار الدولة إنما تؤئر عنهم وإن كان منها ما يختص بالخليفة فقليل فلذلك صارت أخبار هؤلاء الخلفاء منذ المستكفي إلى المتقي مندرجة في أخبار بني بويه والسلجوقية من بعدهم لعطلهم من التصرف إلا قليلا يختص بالخلفاء نحن ذاكروه ونرجئ بقية أخبارهم إلى أخبار الديلم والسلجوقية الغالبين على الدولة عندما نفرد دولتهم كما شرطناه.

.الخبر عن الخلفاء من بني العباس المغلبين لدولة بني بويه من السلجوقية من بعدهم من لدن المستكفي إلى المتقي وما لهم من الأحوال الخاصة بهم ببغداد ونواحيها.

لما دخل معز الدولة بن بويه إلى بغداد غلب على المستكفي وبقي في كفالته وكان المستكفي في سنة ثلاث وثلاثين قبلها قبض على كاتبه أبي عبد الله بن أبي سليمان وعلى أخيه واستكتب أبا أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي في خاص أمره وكان قبله كاتبا لابن حمدان وكان يكتب للمستكفي قبل الخلافة فلما نصب للخلافة قدم من الموصل فاستكتبه المستكفي في هذه السنة على وزيره أبي الفرج لاثنتين وأربعين من وزارته وصادره على ثلثمائة ألف درهم ولما استولى معز الدولة ببغداد على الأمر وبعث أبو القاسم البريدي صاحب البصرة ضمن واسط وأعمالها وعقد له عليها.

.خلع المستكفي وبيعة المطيع.

وأقام المستكفي بعد استيلاء مع الدولة على الأمر أشهرا قلائل ثم بلغ معز الدولة أن المستكفي يسعى في إقامة غيره فتنكر له ثم أجلسه في يوم مشهود لحضور رسول من صاحب خراسان وحضر هو في قومه وعشيرته وأمر رجلين من نقباء الديلم جاءا ليقبلا يد المستكفي ثم جذباه عن سريره وساقاه ماشيا وركب معز الدولة وجاء به إلى داره فاعتقله بها واضطرب الناس وعظم النهب ونهب دار الخلافة وقبض على أبي أحمد الشيرازي كاتب المستكفي وكان ذلك في جمادى الآخرة لسنة وأربعة أشهر من خلافته ثم بويع أبو القاسم الفضل بن المقتدر وقد كان المستكفي طلبه حين ولي لإطلاعه على شأنه في طلب الخلافة فلم يظفر به واختفى فلما جاء معز الدولة تحول إلى داره واختفى عنده فلما قبض على المستكفي بويع له ولقب المطيع لله ثم أحضر المستكفي عنده فأشهد على نفسه بالخلع وسلم عليه بالخلافة ولم يبق للخليفة من الأمر شيء البتة منذ أيام معز الدولة ونظر وزير الخليفة مقصور على أقطاعه ونفقات داره والوزارة منسوبة إلى معز الدولة وقومه من الديلم شيعة للعلوية منذ إسلامهم على يد الأطروش فلم يكونوا من شيعة العباسية في شيء ولقد يقال بأن معز الدولة اعتزم على نقل الخلافة منهم إلى العلوية فقال له بعض أصحابه: لا تول أحدا يشركك قومك كلهم في محبته والاشتمال عليه وربما يصير لهم دونك فأعرض عن ذلك وسلبهم الأمر والنهي وتسلم عماله وجنده من الديلم وغيرهم أعمال العراق وسائر أراضيه وصار الخليفة إنما يتناول منه ما يقطعه معز الدولة ومن بعده فما يسد بعض حاجاته نعم إنهم كانوا يفردونهم بالسرير والمنبر والسكة والختم على الرسائل والصكوك والجلوس للوفد وإجلالهم في التحية والخطاب وكل ذلك طوع القائم على الدولة وكان يفرد في كل دولة بني بويه والسلجوقية بلقب السلطان مما لا يشاركه فيه أحد ومعنى الملك من تصريف القدرة وإظهار الأبهة والعز حاصل له دون الخليفة وغيره وكانت الخلافة حاصلة للعباسي المنصوب لفظا مسلوبة معنى والله المدبر للأمور لا إله غيره.